ي السنوات الأخيرة تُطرح، مرارًا وتكرارًا، قضية التمثيل المتدنّي للنساء في مجالس إدارة الشركات والمؤسسات في إسرائيل. ومن منطلق الرغبة في معالجة هذا الموضوع عملت ونشطت لجان في الكنيست في هذا المجال وتمّ تشريع القوانين، ولكن نظرًا لعدم تطبيق القوانين فإن الواقع اليومي يشير إلى تغيير طفيف فقط في مجال تمثيل النساء في مجالس الإدارة.
تعود جذور عدم المساواة في هذه القضية إلى عدّة حقائق مؤسفة في الحياة المهنية والتجارية في إسرائيل. حتى يومنا هذا لا تزال النساء العاملات يصطدمن بما يعرف بـ "سقف زجاجي"، الأمر الذي يصعّب عليهن التقدّم والوصول إلى مواقع إدارية رفيعة ووظائف رئيسية في الإقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك عضوية مجالس إدارة. بالإضافة إلى ذلك تُبيّن الأبحاث أن رواتب الرجال أعلى بكثير من رواتب النساء، وأن حوالي 30% فقط من مجمل الوظائف الإدراية في إسرائيل يتم إسنادها إلى نساء. وبخصوص تمثيل النساء في مجالس الإدارة ومناصب إدارية رفيعة فإن الوضع قاتم جدا.فمثلا 6% فقط من المدراء العامين هن من النساء و 4% فقط من رؤساء مجالس الإدارة هنّ نساء. بالإضافة إلى ذلك تشكّل النساء حوالي 19.4% من أعضاء الإدارة رفيعة المستوى في شركات مؤشر 100 تل أبيب و- 18.2% من أعضاء مجالس الإدارة في هذه الشركات.
وحول كيفية تحسين الوضع، تمّ تنظيم أيام دراسية بالموضوع ونشر أبحاث شاملة في قضية عدم المساواة بين الجنسين في مجالس الإدارة وحول الإسهام الواسع والدّور الكبير للنساء في مجالس الإدارة في مجال النجاعة والنتائج الإقتصادية والمالية للشركات العامة، كذلك فقد قُدّمت للكنيست مشاريع قوانين لزيادة التمثيل الملائم للنساء في مجالس الإدارة، ونصّ التعديل رقم 16 على قانون الشركات الذي دخل حيّز التنفيذ في مطلع العام 2012 على أنه في الشركة التي يكون جميع أعضاء مجلس الإدارة من الرجال، يجب أن تُعين سيدة في منصب عضو مجلس إدارة خارجي، ولكن البند المذكور أعلاه لم يكن كافيًا لزيادة تمثيل النساء. وبحسب معطيات سلطة الأوراق المالية، تُشكّل النساء 29% من مجمل أعضاء مجالس الادارة الخارجيين، علمًا أن هذا التمثيل يُعتبر منخفضًا مقارنة مع نسبة النساء من مجمل المواطنين (50%).
أحدى الخطوات المهمة التي أفرزها هذا الواقع هي برنامج "إيزّون" لجمعية "ياسمين"، ويهدف البرنامج إلى التأثير والسعي لخلق توازن بين عدد الرجال والنساء في مجالس الإدارة في إسرائيل. وكما ذكر آنفًا فقد بادرت إلى هذا البرنامج جمعية "ياسمين" التي تنشط في مجال النهوض بالمصالح التي تملكها سيدات يهوديات وعربيات في إسرائيل، برئاسة السيدة كِرام بلعوم. وتولي جمعية "ياسمين" أهمية كبيرة لتغيير الخارطة، كما أنها تعتبر ذلك مطلبًا وحاجة وطنية حقيقية، خاصة وأنها ترى بتأهيل وتشجيع النساء صاحبات المهارات والقدرات العالية لإشغال مناصب رئيسية والتواجد في مركز الأحداث في الحلبة الإدارية-الإقتصادية في إسرائيل. يؤمن القائمون على "ياسمين" بأن النساء الناجحات في مناصب إدارية يجلبن معهن، ليس فقط الخبرة والتجربة الإدارية، وإنما أيضًا قيمة مُضافة تتميّز بها النساء، مثل الحَدَس والذكاء العاطفي. برنامج " إيزّون" يقدّم حلا ملائمًا ومهنيًا يُساعد على دمج النساء الملائمات في مجالس إدارة شركات عامة وخصوصية في إسرائيل. ويمكّن البرنامج المشاركات فيه من الإنكشاف على أساليب إدارة واسعة والحصول على أدوات صحيحة تساعدهن على اتخاذ القرارات المناسبة والسليمة وتنفيذ مبادرات لإدارة وتطوير الشركة، وكل ذلك من خلال مهارات عالية واعتبارات مهنية. كذلك فإن البرنامج يُكسب المشاركات فيه معرفة واسعة وفهمًا عميقًا لعالم الأعمال والمصالح، الإقتصاد والقانون المطلوبة لأعضاء مجالس الإدارة من أجل تطوير الإستراتيجية التجارية للشركة.
السيدة كرام بلعوم، المديرة العامة لجمعية "ياسمين"، تقول : هدف "ياسمين" هو مساعدة صاحبات المصالح المستقلات للوصول إلى المرحلة المتقدّمة التالية في مصالحهن. نحن نؤمن بأن صاحبة المصلحة التي تُحسن إتخاذ القرارات المهمة والكبيرة في مصلحتها تستطيع دفع وتطوير مراحل وخطوات، وإشغال مناصب في الإقتصاد الإسرائيلي. طموحنا هو أن تتمكّن كل صاحبة مصلحة ناجحة من أن تنظر إلى موضوع دعم النساء في المصالح كموضوع إجتماعي إستراتيجي مهم جدًا وأنها ترغب في النهوض به.
للأسف، الحكومة لا تدفع هذا الموضوع قُدمًا بما فيه الكفاية، ومن المهم أن تتبنّى النساء هذا الموضوع ويصبحن سفيرات لنا بحيث يدعمن ويطوّرن هذا المجال".
وتضيف: " البرنامج شامل ومبني من ثلاث مراحل- الأكاديمية، العملية والتوجيهية- الإرشادية. يحتوي البرنامج على الخبرة والمعرفة الأكاديمية إلى جانب المعرفة العملية والتطبيقية والإنكشاف على دوائر ومجالات التعرف على شخصيات رئيسية ومهمة من أصحاب الشركات والإتحادات. "ياسمين" طوّرت ودفعت قدمًا برنامجًا إرشاديًا- توجيهيًا خاصًا، يُشارك فيه شخصيات رئيسية ومهمة في الإقتصاد الاسرائيلي، وسيقوم هؤلاء بمرافقة المشاركات وتوجيههن لأداء وظيفتهن بنجاح. بالإضافة، يوجد للبرنامج هدف واضح وجليّ وبموجبه يتمّ اختيار وفحص نجاح المشاركات، ألا وهو دمج النساء في مجالس الإدارة".
د. أنجل الفحل، إحدى المشاركات بالدورة تقول: " قرّرت الإنضمام لدورة تأهيل لعضوات مجالس الإدارة لأنه من المهم لي أن أتبوّأ موقعًا أستطيع من خلاله التأثير ورسم طريق والمساهمة في النهج الإستراتيجي لإدارة شركة عن طريق المعرفة والخبرة والتجربة التي أمتلكتها على مدار السنوات. من المهم لي أن أدعم وأطوّر مكانة المرأة والإعتراف بقدرات النساء. أؤمن بأن المساواة بين الجنسين تعزّز القدرات الإنسانية وتساهم في خلق مجتمع أكثر تطوّرًا وتسامحًا ونجاحًا. كذلك من المهم لي أن أساهم في النهوض بمجاليْ الصحة والتربية اللذين يهمّناني كثيرًا".
أما كيرن هومل ألون، مبادرة وتعمل في مجال الـ "ستارت أپ" فتقول: " أؤمن بالعمل الذي يجلب التغيير، ولهذا السبب انضممت الى الدورة. أتيت من عالم التكنولوجيا الذي يوجد فيه للنساء حضور خجول جدًا. كعاملة في الـ "ستارت أپ" أصادف عددًا قليلاً من النساء، وهذا مؤسف. المساواة بين الجنسين هي مصلحة مهمة لكل الدول والمجتمعات، الرجال وأولادهم وشريكات حياتهم، ومن المهم أن يتم تحقيق هذه المساواة في كل مجالات الحياة العملية، ومجالس الإدارة هي مكان يجب أن يكون فيه للنساء حضور بارز".
هذا وقد حلّت عضوة الكنيست، ورئيسة لجنة دعم مكانة المرأة في الكنيست، السيدة عايدة توما، ضيفة على اللقاء الذي عقد في إطار البرنامج.
إلى جانب الحقائق التي تشير إلى ضعف التمثيل النسائي في مجالس الإدارة، فقد أشارت عضوة الكنيست توما إلى الوضع القاتم جدا الذي تعاني منه النساء في الوسط العربي ومجموعات الأقلية في الدولة. وقالت عضوة الكنيست توما إن هناك حاجة لعمل متواصل ومكثف من أجل طرح الموضوع بقوّة على جدول الأعمال..
وأضافت توما: " حتى لو كان لدى سيدة شعور بأنها قادرة ولديها الإمكانيات، إلا أن الشعور الجماعي هو شعور بعدم النجاح والمساواة". وتحدّثت توما عن عائلتها التي دعمتها وشجعتها على تحقيق قدراتها واستنفاذ طاقاتها، الأمر الذي ساعدها وشقيقاتها الست على تحقيق الإنجازات. ومع ذلك، لا تنجح جميع النساء في مواجهة الشعور والتجربة السلبية الجماعية في مجتمع لا يحظى بالمساواة. ودعت عايدة توما جميع المنظمات النسائية للمشاركة في هذه الخطوات والمراحل. ومع أن الكنيست الحالية تضم أكبر عدد من النساء منذ تأسيسها (32 سيدة) إلا أن ذلك لا يعني أن أجندة كل النساء هي أجندة نسوية تعمل من أجل دعم المرأة.
وأشارت عضوة الكنيست توما: " لذلك نحن بحاجة إليكن. توجد حاجة لتوحيد وتجميع جهود وقوة كافة المنظمات النسائية للنهوض بالهدف المشترك. من المهم أن تقوم كل منظمة نسائية بدعم هذه الخطوات وإسماع صوتها، ومعًا نستطيع تحقيق الأهداف والإنجازات".